أفصحت الدكتورة هبة يس - مستشارة العلاقات الأسرية والإنسانية – عن الأسرار التى لا يعرفها الرجل والمرأة عن بعضهما البعض ، وذلك خلال الندوة التى عُقدت ضمن فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، خلال دورته العاشرة، والندوة بعنوان “أسرار لا يعرفها الرجل والمرأة بعضهما عن بعض” .
وتحدثت الدكتورة هبة يس في البداية على أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة قديمة ومتجددة في نفس الوقت، وأن كل أساتذة وعلماء النفس الذين قاموا بدراسة هذه العلاقة قبل ذلك كانوا يلجأون إلى شتى الطرق لكي يراقبوا الأزواج الذين تحدث بينهم مشاكل مستمرة؛ لكي يتعرفوا على أسباب هذه الخلافات والاختلافات ويتوصلوا لحياة أفضل لكلا الطرفين.
ومن هنا تطرقت د.هبة إلى عدد من النقاط التي استطاع علماء النفس التوصل إليها لتفسير هذه الاختلافات الشاسعة، منها اختلاف الرجل عن المرأة في طرق الإفصاح عن المشاعر، فالرجل عادة لا يتكلم إلى إذا كان لديه شيء مفيد يقوله أو عندما يفكر في الكلام الصحيح الذي يجب عليه قوله، عكس المرأة التي تتكلم كثيراً لخلق نوع من التواصل والمشاركة، فالكلام في حد ذاته يشعرها بالحميمية ويخلصها من الضغوط النفسية التي قد تعاني منها، وبالتالي فهي ترى أن الكلام هو نوع من عطاء وأخذ الدعم المعنوي من وإلى الطرف الآخر.
وتابعت : أن الخلاف يحدث هنا لأن المرأة عادة ما تفهم سكوت الرجل بأنه رفض منه للتواصل معها أو أنه لا يريد دعمها، وفي نفس الوقت فالرجل لا يريد من كلام المرأة سوى أن يصل لنتيجة محددة للموضوع. وبالتالي قد تصل المرأة لمرحلة الصمت عندما تفقد الأمل في التواصل مع من أمامها وأنه لا يستحق منها الجهد والتعب للتواصل.
وأضافت أن الرجل دائماً ما يستخدم ألفاظ محددة يستطيع من خلالها توصيل المعلومة التي يقصدها بطريقة مباشرة، كما أنه لا يهتم بالتفاصيل إلا إذا كانت مؤثرة وذات أهمية في الموقف الذي يرويه، عكس المرأة التي تستخدم العديد من المفردات والتشبيهات والمبالغات عند سردها لحكاية معينة، وكذلك اهتمامها بالتفاصيل الدقيقة التي تعتبر جزء لا يتجزأ من حياتها.
وأشارت إلى أنه من هنا يحدث الخلاف، فالرجل لا يهتم بكل هذه التفاصيل وبالتالي يمل من “الرغي” والكلام الكثير ولا يسمع من القصة إلا ما يريد أن يسمعه، في حين أن المرأة تعتبر أن عدم ذكر التفاصيل هو نوع من عدم التواصل وعدم الحميمية، وبالتالي يحدث رد فعل عنيف من كلا الطرفين بسبب عدم فهمه لطبيعة الآخر.
وبالنسبة لطرق حل المشاكل وتقديم النصيحة، قالت د. هبة يس – مستشارة العلاقات الأسرية والإنسانية - : فالرجل بإمكانه أن يحل مشاكله بنفسه عن طريق إمكانياته الشخصية، ويعتبر أن تقديم النصيحة له هو نوع من التشكيك في قدراته وعدم الوثوق به، وأنه غير كفء ولا يستطيع التغلب على مشاكله بمفرده.
ولكن المرأة عندما تواجه مشكلة تحكي وتتكلم وتشتكي من ضغوط الحياة والعمل، ولابد للرجل هنا أن يقدم لها الحل والنصيحة للتغلب على هذه المشاكل، وإذا لم يفعل ذلك يمكنها فهم رد الفعل هذا أنه لا يهتم بها. ويأتي ذلك من أن المرأة لديها إيمان دائم ورغبة مستمرة في التحسين والوصول للأفضل، وبالتالي فهي دائمة النصيحة وإعطاء الأوامر. أما الرجل يفهم من هذه النصائح بأنه ليس محل ثقة بالنسبة للمرأة.
وأشارت د.هبة يس إلى أن طريقة الرجل في حل مشاكله تختلف كثيراً عن المرأة، فالرجل عندما يواجه مشكلة معينة يُفضل أن يبتعد وينسحب من الحياة اليومية قليلاً ويدخل إلى كهفه؛ لكي يستطيع التفكير مع نفسه بهدوء وتصفية ذهنه، ولا يستطيع التركيز مع الآخرين في أي شيء آخر. ولكن المرأة قد تأخذ هذا الموضوع بمحمل شخصي بأنه لا يريد التحدث معها في مشاكله؛ وبالتالي تبدأ في ملاحقته لمعرفة ما هي أسباب انعزاله، فالمرأة تُفضل دائماً التحدث مع الآخرين في مشاكلها لكي تأخذ منهم النصيحة.
وحل هذا هو ضرورة ترك الرجل فترة حتى يستطيع الخروج من مشاكله بنفسه وعدم ملاحقته والإلحاح عليه حتى لا تتفاقم المشكلة، وقد يكون السبب في المشاكل السابقة أن محفزات العطاء لدى الرجل تختلف كثيراً عن المرأة، فالمرأة يمكنها العطاء حتى آخر لحظة في حياتها، ولكن قد يتوقف هذا العطاء في حالة شعورها بعدم التقدير من الرجل، والذي قد يُسبب لها أزمات نفسية كبيرة، فهمي بحاجة دوماً إلى الشعور بالاهتمام والتقدير، مثل الرجل الذي يريد دوماً أن يشعر بأنه محل ثقة واهتمام ممن حوله.
ولكن الرجل لديه ميزان للأخذ والعطاء، وهذا ما يجب على المرأة أن تتعلمه أيضاً، حتى تستطيع مواصلة حياتها بدون ضغوطات نفسية، ولكن عندما يتوقف الرجل عن العطاء، تبدأ المرأة في الابتعاد عنه وعدم مطالبته بأي دعم المعنوي وعدم الاعتماد عليه في أي شيء، وهذا يُحدث من جانبها نوع من الاستغناء والانفصال العاطفي، أو أنها تتحول لمرأة لحوحة لها طلبات مادية ومعنوية كثيرة، وعلى الرجل في هذه الحالة استيعاب ذلك وانهاء المشكلة قبل تفاقمها.
كما أن مشاعر الرجل تختلف اختلاف جذري عن مشاعر المرأة، فمشاعر الرجل هي عبارة عن بُعد وقُرب، فكل فترة لابد له أن يبتعد عن حياته اليومية حتى يستطيع الاقتراب مرة أخرى، وهذا هو جزء من تكوينه النفسي، فالبُعد عند الرجل هو نوع من المحافظة على استقلاليته ومساحته الشخصية.
أما المرأة فمشاعرها تتحرك من أعلى إلى أسفل، فيمكن أن يصل عندها الحب والعطاء إلى الذروة وبعدها بيومين مثلاً قد تصل إلى القاع؛ والسبب في ذلك أنها تريد دعم معنوي طوال الوقت من الرجل، وعندما لا تجد ذلك تصل لمرحلة ما تحت الصفر. وبالتالي فالمطلوب من كل منهما فهم طبيعة الآخر، فعلى المرأة تقبُّل فترة ابتعاد الرجل حتى يستطيع الاقتراب مرة أخرى، وكذلك لابد للرجل ان يُشعر المرأة دوماً بالأمان وعدم اتهامها بالإهمال أو التقصير. فلابد لكل منهما أن يحترم المساحة الخاصة للطرف الآخر.
وأضافت د. هبة يس أنه عندما قام علماء النفس بالتفتيش في النفس البشرية وجودوا مخاوف دفينة يشعر بها البشر عموماً ولكنهم يقوموا عادة بإخفائها، فالمرأة تخاف من أنها لا تكون جديرة بحب زوجها أو أولادها، وتخاف أن تطلب المساعدة ممن حولها حتى لا يخذلها أحد. ولكن الرجل يخاف من الخطأ أو الفشل، وبالتالي يجب على المرأة أن تعطي الرجل الأمان، خاصة في مسألة الخطأ، ويجب على الرجل أن يساعد المرأة ويعطيها حقها في الرعاية وفرصتها في التعبير عن ما تريده.
وأوضحت د. هبة يس أن الناس عادة ما تختلف حول الطريقة التي يختلفون بها، فطريقة الخلاف هي أهم تحديات الحب؛ لأن تكرار الخلاف هو ما يُحدث جفوة بين الرجل والمرأة، ولكن الأزواج الصحيين يتميزوا بأن اختلافهم يكون بطريقة محترمة، وبالتالي تنتهي المشكلة بدون أية آثار جانبية. فالنقيضين القاتلين في الاختلاف، هما الجدال المستمر لإثبات أن وجهة نظر أحدهما هي فقط الصحيحة، فالجدال هو نقيض للحب ونقيض للعلاقة.
أما النقيض الآخر هو أننا نصمت ونتجنب المشاكل إعمالاً للمثل الشعبي الشهير (الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح)، ولكن إذا كان هذا يؤدي إلى سلام وهدوء مؤقت، إلا أنه على المدى البعيد يتسبب في حاجز وفاصل بين الطرفين.
وونصحت أن نتجنب الأخطاء التي تقع أثناء الخلاف، وهي البدء بالهجوم دائماً، الاتهام المستمر للطرف الآخر، الهروب من المشاكل من كلا الطرفين، انكار المشكلة لتجنبها، وأن يتحمل طرف واحد مسئولية المشكلة وحده دون الطرف الآخر، ولابد دوماً أن نفكر بمنطق الآخر؛ لأننا جميعاً نختلف عن بعضنا البعض، ويجب علينا معرفة هذه الاختلافات حتى نستطيع التغلب عليها.