أشارت دار الإفتاء المصرية إلى عدم جواز إسقاط الجنين وتحريم الإجهاض تحريماً قطعياً بإتفاق الفقهاء والعلماء وإذا بلغ عمر الجنين في بطن أمه مئة وعشرين يوما وهي مدة نفخ الروح فيه وأنه في حالة إسقاطه يعتبر قتلا للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
وأوضحت دار الإفتاء بحسب مجلة “نصف الدنيا” أنه وبعد مراجعة الآراء المختلفة لعلماء المذاهب الفقهية الشرعية المعتبرة فإن الرأي الراجح المختار للفتوي من ذلك أنه يحرم الاجهاض مطلقاً سواء قبل نفخ الروح أو بعده إلا لضرورة شرعية، وذلك بأن يقرر الطبيب العدل الثقة أن بقاء الجنين في بطن أمه فيه خطر علي حياتها أو صحتها في هذه الحالة يجوز شرعا إسقاطه مراعاة لحياة الأم وصحتها المستقرة وتغليبا لها علي حياة الجنين غير المستقرة.
وأكدت دار الإفتاء إلي أنه يستوي في الحرمة الشرعية القاطعة للإجهاض بعد الأربعة الأشهر ما إذا كان الحمل مشوها من عدمه وأن تشوه الجنين أو ما شابه ذلك لا يسوغ ولا يعطي الحق في الاعتداء علي النفس الإنسانية إلا إذا رأت لجنة الأطباء المتخصصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد علي حياة الأم فإنه يجوز الإجهاض سواء كان مشوها أو لا كما ذهب إلي ذلك علماء الفقه الإسلامي في القرار الصادر من المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة أنه إذا كان الحمل قد بلغ مئة وعشرين يوما لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير اللجنة الطبية المكونة من الأطباء المتخصصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد علي حياة الأم فقد يجوز إسقاطه سواء كان مشوها أم لا دفعا لأعظم الضررين.
ويؤكد الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية الصادر عن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أنه لا يجوز للطبيب إجهاض امرأة حامل إلا إذا اقتضت ذلك دواع طبية تهدد صحة الأم وحياتها ومع ذلك يجوز الإجهاض إذا لم يكن الحمل قد أتم أربعة أشهر وثبت بصورة أكيدة أن استمراره يهدد حياة الأم بضرر جسيم علي أن يتم إثبات ذلك بقرار
من لجنة طبية لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة إخصائيين يكون بينهم إخصائي ملم بنوعية المرض الذي أوصي من أجله بإنهاء الحمل ويقوم الأطباء بإعداد تقرير يوضحون فيه نوع الخطورة المذكورة المؤكدة التي تهدد صحة الأم فيما لو استمر الحمل.
ويؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الفقه المقارن ـ جامعة الأزهر أن هناك مسألة اتفق حولها العلماء في هذا الأمر, وهناك مسألة اختلفوا في الرأي فيها.. فأما المسألة التي اتفق العلماء علي حكمها فهي تحريم الإجهاض إذا وصل الجنين إلي 120 يوما إلا إذا تعرضت حياة الأم للخطر وذلك لأنه إذا وصل الجنين إلي هذه المدة دبت فيه الروح الإنسانية وهو ما يجعله نفسا معصومة يحرم التعدي عليها, فلا يحل إسقاطه وقد اعتمد الفقهاء في مجيء الروح للجنين بعد 120 يوما علي ما ثبت في كتب السنة من حديث رواه عبدالله بن مسعود وفي حديث آخر جاء في صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم.. يقول: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها.. ثم قال: يارب أذكر أم أنثي فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك وقد اختلف العلماء في الإجهاض قبل نفخ الروح علي عدة آراء:
- الرأي الأول: الإباحة المطلقة.. أي سواء أكان يوجد عذر أم لا, وبهذا الرأي قال بعض فقهاء الحنفية.. قال ابن عابدين: (قال في النهر هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟.. نعم يباح ما لم يتخلق منه شيء ولن يكون ذلك إلا بعد مئة وعشرين يوما, وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح, ويري الإباحة أيضا بعض فقهاء الشافعية.. قال الكرابيس: سألت أبا بكر بن أبي سعيدالفراني عن رجل سقي جاريته شرابا لتسقط ولدها.. فقال ما دامت نطفة أو علقة فواسع.. أي جائز له ذلك إن شاء الله تعالي.
الرأي الثاني: الإباحة إذا وجد عذر وبهذا قال أيضا بعض فقهاء الحنفية وبعض فقهاء المالكية والشافعية والعذر عند البعض من الحنفية.. كأن ينقطع لبن الأم بعد حدوث الحمل وليس عند والد الطفل القدرة المالية التي تساعده علي استئجار مرضع للطفل أو شراء لبن لتغذيته ويخاف عليه من الموت وحصر بعض المالكية القائلين بهذا الرأي العذر فيما لو كانت قد حملت من الزنا وخافت علي نفسها القتل بظهور الحمل, وكذلك العذر عندبعض الشافعية الذين قالوا بهذا الرأي إذا كان الحمل من الزنا ولم يذكر هذا البعض الخوف من القتل.
الرأي الثالث: الكراهة التحريمية مطلقا.. أي سواء أكان هناك عذر أم لا وهو ما يراه بعض فقهاء الحنفية.. ففي حاشية ابن عابدين عن الذخيرة لو أراد الإلقاء قبل مضي زمن ينفخ فيه الروح هل يباح له ذلك أم لا.. اختلفوا فيه, فكان الفقيه علي بن موسي يقول إنه يكره فإن الماء بعدما وقع من الرحم مآله الحياة, فيكون له حكم الحياة, كما في بيضة صيد الحرم.
الرأي الرابع: الكراهة التنزيهية قبل أن يصل الجنين إلي أربعين يوما وهو رأي يقابل الرأي المعتمد في فقه المالكية.. ففي الرأي المعتمد أنه يحرم إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما والرأي الآخر وهو المقابل للرأي المعتمد أن إخراجه قبل الأربعين يوما يكون مكروها.
الرأي الخامس: التحريم وهو رأي بعض الحنفية وبعض فقهاء المالكية والشافعية حيث قال الإمام أبو حامد الغزالي (وأولي مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية, فإن صارت نطفة فعلقة كانت الجناية أفحش.
وفي رأيي محمد رأفت عثمان الخاص أخذ بالرأي القائل بتحريم الإجهاض ولو قبل الأربعين إلا إذا وجد عذر يبيحه قبل الأربعين.
وتقوي الحرمة بعد الأربعين فلا يجوز الإطلاق إلا لعذر قوي مقدر عند الفقهاء وتتأكد الحرمة وتتضاعف إذا كان الإجهاض بعد المئة والعشرين يوما لأنه حينئذ صار إنسانا كامل الحياة الإنسانية بوجود الروح فيه كما ثبت في الحديث الشريف.. فإذا وصل إلي مئة وعشرين يوما فلا يجوز الإجهاض إلا إذا تعرضت حياة الأم للخطر وكان ذلك بصورة ثابتة لا متوهمة.